السبت، 5 ديسمبر 2015

اثر استخدام الترانزستور doc



الإلكترونيات
الدكتور منصور العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
4-1 تمهيد
إن التقدم المذهل الذي تشهده البشرية اليوم في جميع المجالات  التقنية والمعرفية لم يكن ليتحقق لولا ظهور علم الإلكترونيات في مطلع القرن العشرين.  ففي نفس العام الذي كان يعمل فيه الأخوان رايت على تصنيع أول طائرة في تاريخ البشرية وهو عام 1904م كان عالم الفيزياء الإنجليزي فليمنغ يعمل في مختبره المتواضع على تصنيع أنبوب زجاجي مفرغ من الهواء بحجم الإصبع يحتوي عند طرفيه قطبين معدنيين بحيث يسمح للتيار بالمرور في اتجاه واحد فقط.  لقد كان الأثر الذي تركه أنبوب فليمنغ على رفاهية البشر في هذا العصر لا يقل أهمية إن لم يزد عن الأثر الذي تركته طائرة الأخوين رايت.  فبفضل هذا الأنبوب المفرغ وما تبعه من إنجازات في مجال الإلكترونيات  تمكن البشر من التحدث مع بعضهم البعض عبر الهواتف السلكية واللاسلكية رغم تباعد المسافات بينهم ومتابعة كل ما يجري في هذا العالم من أخبار وأحداث من خلال سماع ومشاهدة البث الإذاعي والتلفزيوني الذي ينطلق من آلاف المحطات الموجودة على سطح الأرض أو معلقة في جو السماء.  وتمكنوا كذلك من تصنيع الحواسيب التي أحدثت ثورة المعلومات والإنترنت التي لا تقل أهمية عن الثورة الصناعية التي أحدثها اختراع الآلة البخارية. وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبته الصمامات الإلكترونية في تقدم أنظمة الاتصالات والحواسيب والقياس والتحكم إلا أن الثورة التي نشهدها اليوم في مختلف المجالات لم تكن لتتحقق لولا اختراع الترانزستور في عام 1947م.  فقد أدى استخدام الترانزستور الذي يتميز على الصمام الإلكتروني بصغر حجمه وبقلة استهلاكه للطاقة الكهربائية وبصلادته إلى تقليص كبير في أحجام الأجهزة والمعدات الإلكترونية وقد تمكن المهندسون من تصنيع أنظمة لم يكن بالإمكان تصنيعها باستخدام الصمامات الإلكترونية كالتلفزيونات الملونة والحواسيب والهواتف الخلوية وأنظمة الأقمار الصناعية. وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبه الترانزستور في تقليص أحجام الأجهزة الإلكترونية إلا أن أسلاك التوصيل بين الترانزستورات وبقية القطع الإلكترونية المكونة للدائرة الإلكترونية أصبحت عائقا يحول دون  تصنيع أجهزة إلكترونية متطورة وصغيرة الحجم تحتوي على أعداد كبيرة من الترانزستورات كما هو الحال في الحواسيب والتلفزيونات الملونة والهواتف المتنقلة. ولقد تم التغلب على هذه المشكلة بعد أن تمكن المهندسون في نهاية الخمسينات من تصنيع أكثر  من ترانزستور مع يلزمها من مقاومات ومكثفات على سطح رقاقة صغيرة من السيلكون وتم توصيل المكونات فيها بشرائط معدنية رقيقة يتم ترسيبها على سطح الرقاقة بما يسمى الدائرة المتكاملة. وفي عام 1961م  تنبأ أحد العاملين في مجال تطوير الدوائر المتكاملة وهو المهندس مور مؤسس شركة إنتل التي تعتبر من أكبر شركات إنتاج الدوائر المتكاملة في الولايات المتحدة الأمريكية بأن عدد الترانزستورات على الرقاقة الواحدة  سيتضاعف كل ثمانية عشر شهرا. ولقد صدقت توقعاته إلى حد كبير حيث تضاعف عدد الترانزستورات على الرقاقة الواحدة من عشرة ترانزستورات في بداية الستينات إلى ما يزيد عن عشرة ملايين ترانزستور مع نهاية القرن العشرين. إن الوظيفة الأساسية للترانزستور وكذلك سلفه الصمام الإلكتروني هو في إمكانية التحكم بالتيار المار بين طرفين من أطرافه من خلال  تيار أو جهد صغير يتم تسليطه على الطرف الثالث. إن هذه الوظيفة البسيطة قد تم استغلالها للقيام بوظائف أكثر تعقيدا وبني على أساسها أجهزة ومعدات بالغة التعقيد تلعب دورا بالغ الأهمية في حياة الناس كأنظمة الاتصالات المختلفة وأنظمة البث الإذاعي والتلفزيوني والحواسيب وشبكات المعلومات وأنظمة التحكم والقياس وفي الأجهزة الطبية وغيرها الكثير. فبدون الترانزستور لا يمكن لجميع هذه الأجهزة والأنظمة أن تعمل بالشكل التي هي عليه ولهذا فقد عد العلماء اختراع الترانزستور كأعظم اختراع في القرن العشرين ولذلك نال مخترعيه في عام 1956م جائزة نوبل تقديرا لجهودهم وتأكيدا على أهمية هذا الاختراع وذلك حتى قبل أن تظهر التطبيقات التي بنيت على أساسه. ولا يوجد حتى الآن أي عنصر إلكتروني يمكنه أن يحل محل الترانزستور في صناعة الإلكترونيات على الرغم من البحث المتواصل لإيجاد بديل عنه. وعلى الرغم من أن اختراع الترانزستور يعد أعظم اختراع في القرن العشرين إلا أن اختراع البطارية وكذلك المولد الكهربائي  في مطلع القرن التاسع عشر يفوق اختراع الترانزستور عظمة فالترانزستور لا يمكنه أن يعمل إلا بوجود الكهرباء.  وتجري الآن أبحاث في مجال الإلكترونيات الضوئية يعمل  الباحثون من خلالها على دراسة إمكانية تصنيع ترانزستور ضوئي يكون الضوء هو الحامل للإشارات  بدلا من الإلكترونات مما يعني رفع سرعة معالجة المعلومات بشكل كبير وذلك لأن سرعة انتقال الضوء أعلى منها بكثير من سرعة الإلكترونات.

4-2 الصمامات الإلكترونية (الأنابيب المفرغة) ( Electronic Valves (Vacuum Tubes))
لقد تم اختراع أول عنصر فعال في عالم الإلكترونيات وهو الصمام الثنائي (diode) على يد عالم الفيزياء الإنجليزي جون فليمنغ (John Ambrose Fleming) وذلك في عام 1904م. ويتكون الصمام من أنبوب زجاجي مفرغ من الهواء يوجد في داخله عند طرفيه قطبين كهربائيين يسمى أحدهما المهبط (cathode) والآخر المصعد (anode)  ويوجد تحت المهبط دائرة تسخين كهربائية تعمل على تسخين المادة المعدنية التي يصنع منها المهبط والتي تطلق سيل من الإلكترونات الحرة عند تسخينها. وعند تسليط جهد موجب على المصعد يقوم بجذب الإلكترونات المنبعثة من المهبط مما يؤدي إلى سريان تيار كهربائي  في الدائرة الكهربائية الخارجية للصمام  أما عند تسليط جهد سالب على المصعد  فإن سريان التيار يتوقف على الفور  أي أن هذا العنصر الإلكتروني يسمح بمرور التيار باتجاه واحد فقط ويمنع مروره في الاتجاه المعاكس.  ولذلك فقد كان أول استخدام عملي لهذا العنصر البسيط في دوائر التقويم ودوائر الكشف. أما الاختراع الأكثر أهمية في عالم الإلكترونيات فقد تحقق على يد المهندس الكهربائي والمخترع الأمريكي لي دي فورست (Lee De Forest) وذلك في عام 1906م عندما تمكن من إضافة  شبكة معدنية تقع بين المهبط والمصعد ليحول بذلك الصمام الثنائي إلى صمام بثلاثة أقطاب (triode) وقد أطلق اسم الشبكة (Grid) على هذا القطب الثالث. وتكمن أهمية الشبكة بقدرتها على التحكم بقيمة التيار العالي نسبيا  الذي يسري بين المهبط والمصعد وذلك من خلال تسليط قيم صغيرة من الجهد الكهربائي عليها. ولقد تم تطوير الصمام الثلاثي لتحسين أدائه من خلال إضافة عدد من الشبكات يستخدم بعضها لمنع التذبذب الداخلي في المضخمات وبعضها لبناء دوائر المزج (mixers) فظهرت بذلك الصمامات الرباعية (tetrodes) والخماسية (pentodes).  ومع اختراع الصمام الثلاثي أصبح بالإمكان بناء أهم دائرتين كهربائيتين  كان مهندسو الاتصالات في أمس الحاجة إليهما  لتطوير قدرات أنظمة الاتصالات وهما دائرة التذبذب ( المذبذب) ودائرة التضخيم ( المضخم). فالمذبذب يقوم بتوليد إشارات كهربائية ذات ترددات مختلفة وذلك من خلال تحويل التيار الثابت إلى تيار متردد حيث يتم التحكم بقيمة التردد باستخدام عناصر غير فعالة كالمحثات والمكثفات والمقاومات في الدائرة الخارجية للصمام الثلاثي.  أما المضخم فيقوم بتضخيم الإشارات الكهربائية الحاملة للمعلومات والتي تضعف بشكل كبير عند انتقالها من المرسل إلى المستقبل عبر مختلف قنوات الاتصال. وبهذا الاختراع العظيم  حدثت نقلة نوعية  في مختلف مجالات الهندسة الكهربائية  ففي عام 1913م تم إجراء أول مكالمة هاتفية لاسلكية  بين بريطانيا  وأميركا بعد أن تم استخدام المضخمات الكهربائية.  وتم كذلك بناء أنظمة البث الإذاعي في عام 1918م وأنظمة البث التلفزيوني في عام 1935 وبذلك بعد أن تمكن المهندسون من بناء مستقبلات قادرة على التقاط الإشارات الضعيفة جدا التي تبثها محطات البث الإذاعي والتلفزيوني. وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبه الصمام الثلاثي في تقدم الأنظمة الكهربائية وخاصة أنظمة الاتصالات إلا أن بعض عيوبه وقفت حجر عثرة أمام طموح المهندسين  في بناء أنظمة إلكترونية متطورة. إن من أهم عيوب الصمام الإلكتروني كبر حجمه الذي لا يقل عن حجم الإصبع واستهلاكه العالي للطاقة الكهربائية حيث لا يعمل إلا عند جهد كهربائي مرتفع يصل لعشرات الفولتات  إلى جانب حاجته لدائرة كهربائية مستقلة لتسخين المهبط. أما عيبه الأكبر فهو أنه مصنوع من الزجاج ولذا فهو معرض للكسر عند تعرضه للصدمات مما حال دون استخدامه في كثير من التطبيقات. ولبيان مدى تأثير هذه العيوب على تصنيع الأنظمة الكهربائية نورد المثال التالي فعند تصنيع أول حاسوب رقمي في عام 1945م بلغ عدد الصمامات المستخدمة فيه ثمانية عشر ألف صمام احتلت ما مساحته ستين مترا مربعا وكان يستهلك من الطاقة الكهربائية ما يزيد عن مائة وخمسون كيلواط على الرغم من أن قدرته الحسابية لا تتجاوز قدرة  أصغر الحواسيب التي تم تصنيعها في السبعينات والتي تم تصنيع جميع مكوناتها على دائرة متكاملة واحدة لا يتجاوز حجمها حجم صمام إلكتروني واحد ولا يزيد استهلاكها من الطاقة عن واط واحد. وعلى الرغم من أن الترانزستورات قد حلت محل الصمامات في كثير من التطبيقات إلا أن الصمامات العالية القدرة لا زالت مستخدمة في التطبيقات التي يلزمها قدرة عالية كمحطات البث الإذاعي والرادارات. 
4-3 المواد شبه الموصلة (Semiconductor Materials)
 لقد تم استخدام المواد شبه الموصلة  في صناعة الترانزستور لما تتميز به هذه المواد من خصائص فريدة عند توصيلها للكهرباء فهي تختلف عن المواد الموصلة للكهرباء بإمكانية التحكم في درجة توصيلها من خلال إضافة شوائب من عناصر محددة في بنيتها البلورية. وتتوفر المواد شبه الموصلة على الأرض إما على شكل عناصر فيزيائية خالصة تقع في العامود الرابع من الجدول الدوري وهي عنصري الجرمانيوم والسيليكون أو من مواد مركبة  ناتجة عن خلط بعض عناصر العمود الثالث كالبورون والألمنيوم والأنديوم والقاليوم مع عناصر العمود الخامس كالفوسفور والزرنيخ (الأرسنيد) والبزموث منتجة مواد شبه موصلة كفوسفيد الإنديوم وأرسنيد القاليوم وغيرها من المركبات التي قد تتفوق على العناصر شبه الموصلة الخالصة في بعض خصائصها الكهربائية. لقد كان الجرمانيوم هو العنصر المستخدم في صناعة الترانزستورات في بداية عهدها إلا أنها لم تكن  تعمل بشكل موثوق إلا عند  درجات الحرارة التي تقل عن أربعين درجة مئوية  وذلك بسبب حساسية الجرمانيوم العالية للحرارة والتي تعود لتدني قيمة فجوة الطاقة (energy gap) بين نطاقي التكافؤ والتوصيل (conduction & valence bands) فيها والتي يبلغ 0.7 إلكترون فولت. وفي عام 1954م تمكن المهندسون من استخدام السيليكون في صناعة الترانزستور بعد التغلب على بعض المشاكل التصنيعية. ويتميز السيليكون على الجرمانيوم بكبر قيمة فجوة الطاقة فيه حيث تبلغ 1.1 إلكترون فولت مما يعطيه ثباتا كبيرا  في خصائصه الكهربائية يمتد على نطاق واسع من درجات الحرارة. ومن حسنات السيليكون أن مادته الخام وهي ثاني أكسيد السيليكون (SiO2)  متوفرة بكميات كبيرة في الطبيعة خاصة في رمال الصحراء. إن المواد شبه الموصلة النقية تعتبر مواد عازلة للكهرباء ولكن يمكن تحويلها إلى مواد موصلة من خلال إضافة شوائب من مواد محددة حيث تزيد موصليتها مع زيادة نسبة الشوائب فيها.  ويتم التحكم بدرجة توصيل مادة السيليكون النقي أو غيره من المواد شبه الموصلة من خلال إضافة مواد شائبة في بنيتها بما يسمى عملية التطعيم (doping). ويوجد نوعان من التطعيم  فالنوع الأول يتم من خلال إضافة مادة شائبة بمقدار ضئيل ومحدد مأخوذة من عناصر العامود الخامس في الجدول الدوري كالفوسفور مثلا ويكون الناتج في هذه الحالة مادة شبه موصلة تمتلك فائض من الإلكترونات الحرة ويطلق على هذا النوع من المواد الشائبة اسم المواد المانحة (donars).  ويساوي عدد الإلكترونات الفائضة عدد ذرات المادة الشائبة المضافة ويطلق على هذه المادة  شبه الموصلة المطعمة  شبه موصل من النوع السالب (N-type) وذلك لأن الإلكترونات ذات الشحنات السالبة هي المسؤولة عن حركة  التيار الكهربائي فيها. أما النوع الثاني فيتم تصنيعه من خلال إضافة مادة شائبة  من عناصر العامود الثالث في الجدول الدوري  كالبورون مثلا منتجة بذلك مادة شبه موصلة تفتقر إلى  الإلكترونات الحرة  في المدار الخارجي لذراتها وقد أطلق العلماء على هذا المكان الخالي من الإلكترون  اسم الفجوة (hole) ويطلق على هذا النوع من المواد الشائبة اسم المواد القابلة (acceptors). وعند تسليط جهد كهربائي على هذه المادة المطعمة فإن الفجوات ستتحرك عند انتقال الإلكترونات إليها بعكس اتجاه حركة الإلكترونات ولذا يمكن تخيلها على أنها حاملة لشحنات موجبة  ولذلك يطلق على هذه المادة المطعمة  شبه موصل من النوع الموجب (P-type). وعند تطعيم منطقتين متجاورتين على بلورة من مادة شبه موصلة كالسيليكون مثلا بحيث تكون أحدهما من النوع السالب والأخرى من النوع الموجب فإنه يتكون عند الحد الفاصل بينهما منطقة تسمى المنطقة المنضبة (depletion region). وتتكون هذه المنطقة نتيجة لهجرة الإلكترونات الزائدة الموجودة في المنطقة السالبة إلى المنطقة الموجبة لتملأ 



لتحميل ملف البحث كاملا علي الرابط التالي :  http://adf.ly/1SrYi3

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق