السبت، 31 أكتوبر 2015

غاية الأماني في أحكام وآداب و انواع التهاني و التهنئة الممنوعة شرعاً

غاية الأماني في أحكام وآداب التهاني

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فتمر بحياة الإنسان مناسبات وأعياد شرعية شرع فيها تهنئة المسلمين بعضهم بعضًا ، ومناسبات وأحوال أخرى شخصية تعارف الناس على التهنئة فيها ببعض الكلمات ؛ وهناك مناسبات مبتدعة اعتاد البعض على التهنئة بها ، وهو غير جائز .
والتهنئة والتبريك من آداب الإسلام وخصاله الجميلة ، وقد وردت الأحاديث والآثار في التهنئة والتبريكات في أحوال ومناسبات سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى .
والتهنئة كان أمرًا معروفًا عند الصحابة ، ورخص فيه أهل العلم ، وقد ورد ما يدل على مشروعيه التهنئة في بعض المناسبات ، وتهنئة الصحابة بعضهم بعضًا فيما إذا حصل لهم أمر يَسُرُّ ، كما هنأوا من تاب الله عليهم ... إلى غير ذلك مما سيأتي بيانه .
فالتَّهْنِئَةُ مَشروعةٌ فِي الْجُمْلَةِ ؛ وفيهَا مُشَارَكَةٌ بِالتَّبْرِيكِ وَالدُّعَاءِ مِنِ الْمُسْلِمِ لأَِخِيهِ الْمُسْلِمِ فِيمَا يَسُرُّهُ وَيُفْرحُهُ ؛ مما يدعو إلى التَّوَادِّ ، وَالتَّرَاحُمِ ، وَالتَّعَاطُفِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ تَهْنِئَةُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا يَنَالُونَ مِنْ نَعِيمٍ في الجنة ، وَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى : كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ الطور : 19 ] .
والأصل في التهنئة تجدد نعمة ، أو رفع بلاء ؛ مما يُدخل السرور على النفوس ؛ فهي مما يُفرح المُهنَأ ، ويدل على سجية المهنِّئ ، وقد تدخل في التبشير ، إلا أن البُشارة إنما تكون من أول من يخبر بها ، والتهنئة لا يشترط فيها الأولية .
ولهذا جاء في حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه ؛ قال : وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا ، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ ، وَرَكَّضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا ، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ ؛ وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ ، فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ ، يَقُولُونَ : لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ ؛ قَالَ كَعْبٌ : حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي ، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ ، وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ ؛ قَالَ كَعْبٌ : فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنْ السُّرُورِ : " أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ " ( [1] ) .
فهذا الحديث أصل في التهنئة لما يطرأ على المسلم من نعمة ، أو يرفع عنه من بلاء .
وللحافظ السيوطي - - رسالة لطيفة سماها ( وصول الأماني بأصول التهاني ) جمع فيها ما جاء في التهاني المشروعة ؛ وتكلم العلماء عن حكم ما يتجدد من التهاني بين المشروع والممنوع .
وفي هذه الرسالة أحاول – مستعينًا بالله تعالى – أن أجمع شتات هذا الموضوع المهم من خلال المحاور الآتية :
معنى التهنئة .
ألفاظ تستخدم في التهنئة .
حكم التهنئة .
أنواع التهنئة .
التهنئة المشروعة .
التهنئة الممنوعة .
آداب التهنئة ؛ ثم الخاتمة .
هذا والله الكريم أسأل العون والقبول ، لا رب غيره ، ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت ، وإليه أنيب ، ولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله .
وكتبه
أفقر العباد إلى عفو رب البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية
معنى التهنئة
التَّهْنِئَةُ لُغَةً ضد التَّعْزِيَةِ ، يُقَال : هَنَّأَهُ بِالأَْمْرِ وَالْوِلاَيَةِ ، تَهْنِئَةً وَتَهْنِيئًا ؛ إِذَا قَال لَهُ : لِيَهْنِئَك ، أَوْ لِيَهْنِيكَ ، أَوْ هَنِيئًا ؛ وَالْهَنِيءُ وَالْمَهْنَأُ : مَا أَتَاك بِلاَ مَشَقَّةٍ وَلاَ تَنْغِيصٍ ؛ وَالْهَنِيءُ مِنَ الطَّعَامِ : السَّائِغُ ، وَاسْتَهْنَأْتُ الطَّعَامَ اسْتَمْرَأْتُهُ ؛ وفي التنزيل : فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [ النساء : 4 ] ؛ ويقال : هنَّيتُه على الشيء الذي يُسَرَّ به تهنيةً ؛ وهنّأتُه الطعامَ تهنئةً ، إذا قلت له : هنيئًا ؛ وهَنُؤَ الطعام : صار هَنِيئًا ؛ وكل أمرٍ أَتى بلا تعب فهو هَنِيءٌ . وفى المثل : ( إنما سميت هانئًا لتهنأ ) ، وهنئت بكذا : فرحتُ به ، وهنَّأته به : فرَّحته ، وهنِّئ به : فرح ( [1] ) .
ولا يختلف معناه في الشرع عن المعنى اللغوي ؛ وقيل : التهنئة : هي المخاطبة بالأمر راجيًا أن يكون مبعث سرور له ( [2] ) .
وقال السبكي - : التهنئة : الدعاء بالهناءة لمن فاز بخير ديني ، أو دنيوي ، لا يضره في دينه ( [3] ) ؛ وقيل : التهنئة : الدعاء لصاحب النعمة بدوامها ، وتسويغها ؛ فأصلها هنأ الطعام .


[1] - انظر لسان العرب باب الهمزة فصل الهاء ، وصحاح الجوهري : 2 / 97 .

[2] - المعجم الوسيط : 2 / 996 .

[3] - ( الدين الخالص ، أو إرشاد الخلق إلى دين الحق ) لمحمود خطاب السبكي : 1/ 343 .

ألفاظ تستخدم في التهنئة
هناك ألفاظ تستخدم للتهنئة بأمورٍ معينة ، كَالتَّبْرِيكِ ، وَالتَّبْشِيرِ ، وَالتَّرْفِئَةِ .
والتبريك من الْبَرَكَةَ ، وَهو الدُّعَاءَ لِلإِْنْسَانِ بِالْبَرَكَةِ ، وَهِيَ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ وَالسَّعَادَةُ ( [1] ) .
قال الراغب – : والبركة : ثبوت الخير الإلهي في الشيء ؛ قال تعالى : لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [ الأعراف : 96 ] ، وسمي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البِرْكة ؛ ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يُحس ، وعلى وجه لا يُحصى ولا يُحصر ، قيل لكل ما يُشاهد منه زيادة غير محسوسة : هو مبارك ، وفيه بركة ؛ وإلى هذه الزيادة أشير بما روي أَنَّهُ " مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ " ( [2] ) .

وأما التَّبْشِيرُ : فَمَصْدَرُ بَشَّرَ ، وَالاِسْمُ : الْبِشَارَةُ ، وَالْبُشَارَةُ ( بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ ) ، وَمَعْنَاهُ لُغَةً : الإِْخْبَارُ بِالْخَيْرِ عند الإطلاق ؛ وهي - أَيْضًا : مَا يُعْطَاهُ الْمُبَشَّرُ بِالأَْمْرِ ؛ وَقَدْ يُسْتَعْمَل فِي الإِْخْبَارِ بِالشَّرِّ إِذَا قُيِّدَ بِهِ ، كَما في قَوْلِهِ تَعَالَى : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [ التوبة : 34 ] ( [3] ) ؛ والْبِشَارَةَ : أَوَّل مَا يَصِل إِلَيْك مِنَ الْخَبَرِ السَّارِّ ( [4] ) ، فَإِذَا وَصَل إِلَيْك ثَانِيًا لَمْ يُسَمَّ بِشَارَةً ؛ وَوُجُودُ الْمُبَشَّرِ بِهِ وَقْتَ الْبِشَارَةِ لَيْسَ بِلاَزِمٍ ؛ بِدَلِيل قَوْلهِ تَعَالَى : وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقِ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [ الصافات : 112 ] .
وأما التَّرْفِئَةُ : فمَصْدَرُ رَفَأَ ، يُقَال : رَفَّاهُ تَرْفِئَةً وَتَرْفِيًا ، وَرَفَّأَهُ تَرْفِئَةً وَتَرْفِيئًا ، أَيْ : دَعَا لَهُ وَقَال : بِالرِّفَاءِ ، أَيْ : بِالاِلْتِئَامِ وَجَمْعِ الشَّمْل ؛ لأَِنَّ أَصْل الرَّفْءِ الاِجْتِمَاعُ وَالتَّلاَؤُمُ ، وَمِنْهُ رَفَأَ ، أَيْ : تَزَوَّجَ ( [5] ) . وَعَلَى هَذَا تَكُونُ التَّرْفِئَةُ أَخَصُّ مِنَ التَّهْنِئَةِ ؛ لأَِنَّ التَّرْفِئَةَ هِيَ التَّهْنِئَةُ بِالنِّكَاحِ خَاصَّةً ، أَمَّا التَّهْنِئَةُ فَتَكُونُ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِغَيْرِهِ . وكان أهل الجاهلية يقولون لمن تزوج : بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ ، فنهى النبي عن هذه الترفئة ، لأنها من تهنئة الجاهلية ، وهم كانوا يكرهون الإناث . وسيأتي بيان ذلك ، إن شاء الله تعالى .


[1] - انظر ( لسان العرب ) باب الكاف فصل الباء ، والمصباح المنير مادة ( ب ر ك ) .

[2] - انظر ( المفردات في غريب القرآن ) مادة ( ب ر ك ) ؛ والحديث رواه مسلم ( 2588 ) عن أبي هريرة t .

[3] - انظر ( لسان العرب ) باب الراء فصل الباء ، والمصباح المنير مادة ( ب ش ر ) .

[4] - انظر ( الفروق اللغوية ) ص 101 ( 399 ) .

[5] - انظر ( لسان العرب ) باب الهمزة فصل الراء ، والمصباح المنير مادة ( ر ف أ ) .
حكم التهنئة
قد جاءت الأدلة على استحباب التهنئة في أحوال ، كالتهنئة بالمناقب العلية ، والتهنئة بالعلم ، والتهنئة بالزواج ... وغير ذلك ؛ واعتاد الناس على بعض التهاني بما يُسَرُّ به المسلم مما يطرأ عليه من الأمور المباحة من تجدد نعمة ، أو دفع مضرة ؛ وهذا من الأمور المباحة ؛ ولها أصل في تهنئة الصحابة لكعب بن مالك وصاحبيه كما تقدم ؛ ثم إن التهنئة - غالبًا - من باب العادات ، والأصل فيها الإباحة ، ولا يحرم منها إلا ما ورد تحريمه ؛ قال السعدي - :
والأصل في عاداتنا الإباحة ... حتى يجيء صـارف الإباحة
وليس مشروعًا من الأمور ... غير الذي في شرعنا مذكور ([1] )
وهناك بعض التهاني قد اعتاد عليها بعض الناس ، ولكنها مما لا يجوز في شرع الله المطهر ، كالتهنئة بأعياد كفرية كعيد الكريسماس وما شابهه ، أو بأعياد مبتدعة كعيد الميلاد ، وعيد الأم ، وعيد الحب ... وما شابه ذلك .


[1] - المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ السعدي : 1 / 143.
أنواع التهاني
بعد بيان الحكم المتعلق بالتهنئة يتبين لنا أن التهنئة نوعان :
الأول : تهنئة مشروعة ؛ وهي ما جاء الدليل عليها ، أو ما لها أصل يمكن القياس عليه .
الثاني : تهنئة ممنوعة ؛ وهي ما لا دليل عليها ، وليس لها أصل يمكن القياس عليه .
إذ التهنئة تكون على أحوال :
إمَّا أن تكون بما يُسَرُّ به المسلم ، مما يطرأ عليه من الأمور المباحة ، من تجدد نعمة ، أو دفع مضرة ؛ كالتهنئة بالنكاح ، والتهنئة بالمولود الجديد ، والتهنئة بالثوب الجديد ، والتهنئة بالنجاح في عمل أو دراسة ، أو ما شابه ذلك من المناسبات التي لا ارتباط لها بزمن معين ؛ فهذه من أمور العادات التي لا حرج فيها ، ولعل صاحبها يُؤْجَرُ عليها لإدخاله السرور على أخيه المسلم ؛ فالْمُبَاحُ بِالنِّيَّةِ الْحَسَنَةِ يَكُونُ خَيْرًا ، وَبِالنِّيَّةِ السَّيِّئَةِ يَكُونُ شَرًّا .
وإمَّا أن تكون التهنئة متعلقة بزمن معين ؛ كالأعياد ، والأعوام ، والأشهر ، والأيام ؛ وهذه فيها تفصيل :
أمَّا عيد الفطر وعيد الأضحى ؛ فعيدان شرعيان ، والتهنئة بهما ثابت عن جَمْعٍ من الصحابة .
وأمَّا التهنئة بالعام الهجري الجديد ؛ فلم يكن معروفًا عند السلف ، واختلف فيها ، وسيأتي بيانها .
وأمَّا التهنئة بالأشهر ؛ فكالتهنئة بشهر رمضان ، فهذا له أصل في السنة .
وأمَّا الأيام ؛ فكالتهنئة بيوم ميلاد النبي ، أو بيوم الإسراء والمعراج ، وما شابه ذلك ، فهذا من البدع ، لارتباطه بمناسبات دينية مبتدعة .
وأما ما اخترعه الناس من احتفالات سموها أعيادًا أو أيامًا ، كعيد الميلاد ، وعيد الزواج ، وعيد الحب ، وما شابهه ؛ فهذه كلها وما شابهها أعياد باطلة لا يجوز الاحتفال بها ، ولا التهنئة عليها .

التهاني المشروعة
التَّهْنِئَةُ إِنَّمَا تَكُونُ بِكُل مَا يُسِرُّ وَيُسْعِدُ مِمَّا يُوَافِقُ شَرْعَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَتقدم ذكر بعض ذلك ، ونضيف ها هنا بعضها ، كالتَّهْنِئَةِ برمضان ، والتهنئةِ بِالْعِيدِ ، وَالتَّهْنِئَةِ بِالْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ ، وَالتَّهْنِئَةِ بِالْقُدُومِ مِنَ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ ، والتهنئة بالعافية من المرض ، وَالتَّهْنِئَةِ بِالطَّعَامِ ، وَالتَّهْنِئَةِ بِالْفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ ؛ وفي التهنئةِ بالأيام والأعوام والشهور - غير رمضان - كلام لأهل العلم سنذكره إن شاء الله تعالى .
التهنئة بالمناقب الدينية والفضائل العلية
روى أحمد والشيخان عَنْ أَنَسٍ قَالَ : نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ : لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ ، قَالَ النَّبِيُّ : " لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عَلَى الْأَرْضِ " ، ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ ، فَقَالُوا : هَنِيئًا مَرِيئًا يَا نَّبِيَّ اللهِ ؛ بَيَّنَ اللهُ عو وجل مَا يُفْعَلُ بِكَ ، فَمَاذَا يُفْعَلُ بِنَا ؟ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ : لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ حَتَّى بَلَغَ : فَوْزًا عَظِيمًا وعن عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر - - قَالَ : قَالَ لِي رَسُول اللَّه : " هَنِيئًا لَك ، أَبُوك يَطِير مَعَ الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء " [ 2 ]
[1] .



[1] - أحمد : 3 / 122 ، 134 ، 197 ، واللفظ له ، والبخاري ( 3939 ، 4554 ) ، ومسلم ( 1786 ) .

[2] - قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 9 / 230 ) : رواه الطبراني وإسناده حسن .ا.هـ . وحسن إسناده الحافظ المنذري في ( الترغيب والترهيب ) : 2 / 206 ، وكذا الحافظ في ( فتح الباري ) : 7 / 76 .



التهنئة بالتوبة
تقدم حديث كعب بن مالك ، وفيه : فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ ، يَقُولُونَ : لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ .
التهنئة بالعلم
روى أحمد ومسلم عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ سَأَلَهُ : " أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ ؟ " قَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ! فَرَدَّدَهَا مِرَارًا ، ثُمَّ قَالَ أُبَيٌّ : آيَةُ الْكُرْسِيِّ ؛ قَالَ : " لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ " ( [1] ) .
فمن نال رتبة علمية يُهنأ ، ويقال له : لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ .
التهنئة بالطعام والشراب
اعتاد الناس أن يقول بعضهم لبعض بعد طعام أو شراب : هنيئًا مريئًا ؛ وفي القرآن العظيم أنه يقال لأهل الجنة : كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ الطور : 19 ، والمرسلات : 43 ] ؛ وقال الله تعالى فيما أعطت المرأة زوجها عن طيب نفس : وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [ النساء : 4 ] . والهنيء : الذي لا ينغصه شيء ، والمريء : المحمود العاقبة الذي لا داء فيه .
التهنئة بالثوب الجديد
روى أحمد وابن ماجة واللفظ له عَنْ ابْنِ عُمَرَ - - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَأَى عَلَى عُمَرَ قَمِيصًا أَبْيَضَ ، فَقَالَ : " ثَوْبُكَ هَذَا غَسِيلٌ أَمْ جَدِيدٌ ؟ " ، قَالَ : لَا بَلْ غَسِيلٌ ، قَالَ : " الْبَسْ جَدِيدًا ، وَعِشْ حَمِيدًا ، وَمُتْ شَهِيدًا " ( [1] ) ؛ وقوله : " الْبَسْ جَدِيدًا " صيغة أمر أريد به الدعاء بأن يرزقه الله الجديد .
وفي صحيح البخاري عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ - - قالت : أُتِيَ النَّبِيُّ بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ ، فَقَالَ : " مَنْ تَرَوْنَ أَنْ نَكْسُوَ هَذِهِ ؟ " فَسَكَتَ الْقَوْمُ ، قَالَ : " ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ " فَأُتِيَ بِهَا تُحْمَلُ ، فَأَخَذَ الْخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فَأَلْبَسَهَا ، وَقَالَ : " أَبْلِي وَأَخْلِقِي " ( [2] ) ؛ وروى ابن أبي شيبة عن أبي نضرة قال : كان أصحاب النبي إذا رأوا على أحدهم الثوب الجديد ، قالوا : تُبلي ، ويُخلف الله عليك ( [3] ) .
قال الحافظ – : وقوله " أَبْلِي " : أمر بالابلاء ، وكذا قوله : " وَأَخْلِقِي " : أمر بالإخلاق ، وهما بمعنى ؛ والعرب تطلق ذلك وتريد الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك ؛ أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق ؛ قال الخليل : أبلِ وأخلق ، معناه : عش وخرِّق ثيابك وأرقعها ، وأخلقت الثوب : أخرجت باليه ولفقته ( [4] ) .ا.هـ .
وفي الحديث أنه يستحب أن يقال لمن لبس ثوبًا جديدًا : أبلِ ( أبلي ) وأَخْلِقْ ( وأخلقي ) .



[1] - أحمد : 2 / 88 ، وابن ماجة ( 3558 ) وصححه البوصيري في مصباح الزجاجة ، والألباني في صحيح ابن ماجة .

[2] - البخاري ( 2906 ، 3661 ، 5485 ، 5507 ، 5647 ) .

[3] - ابن أبي شيبة ( 29758 ) .

[4] - انظر ( فتح الباري ) : 10 / 280 .
                                  
التهنئة بالعافية من المرض
روى أبو نعيم في ( حلية الأولياء ) عن مسلم بن يسار قال : كان أحدهم إذا برئ ، قيل : ليهنك الطهر ( [1] ) .
وقال أبو الطيب المتنبي يهنئ سيف الدولة بالعافية من المرض :
وما أخصُّك في برءٍ بتهنئةٍ ... إذا سَلِمْتَ فكلُّ النَّاسِ قد سَلِمُوا
يقول : لا أخصك بهذه التهنئة على برئك من المرض ، بل أهنئ جميع الناس ، فإنهم كانوا مرضى لمرضك ، فإذا سلِمتَ منه سلِم جميع الناس ، فاستووا معك في استحقاق التهنئة .



[1] - حلية الأولياء : 2 / 294 ؛ وهو في ( الزهد ) للإمام أحمد ص 252 ، من زوائد ابنه عبد الله .التهنئة بالقدوم من الحج
روى البيهقي في ( السنن الكبرى ) من طريق الشافعي ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِىِّ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ : حَجَّ آدَمُ ، فَلَقِيَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ فَقَالُوا : ( بُرَّ نُسُكُكَ آدَمُ ) ( [1] ) .
وفي مصنف ابن أبي شيبة أن ابن عمر - - كان يقول للحاج إذا قدم : تقبل الله نسكك ، وأعظم أجرك ، وأخلف نفقتك ( [2] ) .



[1] - السنن الكبرى للبيهقي ( 9617 ) - مكتبة دار الباز - مكة المكرمة ، 1414 هـ - 1994 م ؛ ورواه الأزرقي في ( أخبار مكة ) عن محمد بن المنكدر .

[2] - ابن أبي شيبة (15814 ) .
التهنئة بالنصر
في سنن أبى داود عن عَائِشَةَ - - قَالَتْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ ، وَكُنْتُ أَتَحَيَّنُ قُفُولَهُ ، فَأَخَذْتُ نَمَطًا كَانَ لَنَا فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْعَرَضِ ، فَلَمَّا جَاءَ اسْتَقْبَلْتُهُ ، فَقُلْتُ : السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، وَبَرَكَاتُهُ ؛ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَزَّكَ وَأَكْرَمَكَ ... الحديث ، ورواه النسائي في ( الكبرى ) وعنده : ( الَّذِي أَعَزَّكَ ، ونَصَرَكَ ، وَأَكْرَمَكَ ) ( [1] ) .
وفي المستدرك عن عروة قال : لما قفل رسول الله وأصحابه من بدر ، استقبلهم المسلمون بالروحاء يهنئونهم ( [2] ) .
وفي ( الطبقات الكبرى ) لابن سعد : لقي أسيد بن الحضير رسول الله حين أقبل من بدر ، فقال : الحمد لله ، الذي أظفرك ، وأقر عينك ( [3] ) .



[1] - أبو داود ( 4153 ) ، وصححه الألباني ، والنسائي في الكبرى ( 10392 ) .

[2] - جزء من حديث رواه الحاكم ( 5767 ) وقال مرسل صحيح ، ووافقه الذهبي .

[3] - ابن سعد : 3 / 605 . التهنئة بالقدوم من سفر
التَّهْنِئَةُ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ تَكُونُ بِنَحْوِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَلَّمَك ، أَوِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَمَعَ الشَّمْل بِكَ ، أو حمدًا لله على سلامتك ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأَْلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الاِسْتِبْشَارِ بِقُدُومِ الْمسافر .
وَيُهَنَّأُ الْقَادِمُ مِنْ سَفَرٍ كَانَ لِلْغَزْوِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيل اللَّهِ تَعَالَى ، بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ وَالْعِزِّ وَإِقْرَارِ الْعَيْنِ ، وَتقدم حديث عَائِشَةَ وأسيد بن حضير وعروة .
وتقدم - أيضًا - ما يقال لمن قدم من الحج ، ومثله لمن قدم من العمرة . التهنئة بالزواج
الزواج من المناسبات المفرحة ، والتي اعتاد الناس أن يهنأوا فيها العروسين ، وقد ثبت هذا الأدب الرفيع من سنة النبي ، ومن فعل أصحابه رضوان الله تعالى عنهم ؛ ففي صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : بُنِيَ عَلَى النَّبِيِّ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ، بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ ، فَأُرْسِلْتُ عَلَى الطَّعَامِ دَاعِيًا ، فَيَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ ، فَدَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُو ، فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ ، قَالَ : " ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ " ، وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ فَانْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ ، فَقَالَ : " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " ، فَقَالَتْ : وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ ؟ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ ؛ فَتَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ ، يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ ، وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ ( [1] ) .
والشاهد من الحديث قول أزواج النبي له بعد زواجه : ( بَارَكَ اللَّهُ لَكَ ) .
وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : كان رسول الله إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال : " بَارَكَ اللهُ لَكَ ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ " ( [2] ) ؛ ورفأه ، أي : هنأه ودعا له ، وأصل الرفاء الالتئام والاجتماع ، مِنْ رَفَأْت الثَّوْب وَرَفَوْته رَفْوًا وَرِفَاء ؛ وَهُوَ دُعَاء لِلزَّوْجِ بِالِالْتِئَامِ وَالِائْتِلَاف ؛ وفيه استحباب الدعاء للمتزوج .
وفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : رَأَى النَّبِيُّ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَثَرَ صُفْرَةٍ ، فَقَالَ : " مَهْيَمْ ؟ " أَوْ " مَهْ ؟ " قَالَ : تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقَالَ : " بَارَكَ اللَّهُ لَكَ ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ " ( [3] ) ؛ وقوله : " مَهْيَمْ ؟ " أي : ما أمرك ، وما شأنك ، وما هذا الذي أرى بك ( [4] ) .
وفي مسند أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ : تَزَوَّجَ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخَرَجَ عَلَيْنَا ، فَقُلْنَا : بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ ، فَقَالَ : مَهْ ! لَا تَقُولُوا ذَلِكَ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ قَدْ نَهَانَا عَنْ ذَلِكَ ؛ وَقَالَ : " قُولُوا : بَارَكَ اللَّهُ لَهَا فِيكَ ، وَبَارَكَ لَكَ فِيهَا " ؛ ورواه أحمد وابن ماجة والنسائي عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي جُشَمَ ، فَقَالُوا : بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ ؛ فَقَالَ : لَا تَقُولُوا هَكَذَا ، وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ ، وَبَارِكْ عَلَيْهِمْ " ( [5] ) .
وفي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ ، فَأَتَتْنِي أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي البَيْتِ ، فَقُلْنَ : عَلَى الخَيْرِ وَالبَرَكَةِ ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ ( [6] ) . أي : على أفضل حظ ونصيب ، وطائر الإنسان : نصيبه .
فبأي من هذه التهاني هنأ المسلم من تزوج ؛ ولا يقول له : بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ ، لأنها ترفئة أهل الجاهلية - كما تقدم - وهم كانوا يكرهون البنات .
وَالتَّهْنِئَةِ ثَابِتة فِي حَقِّ مَنْ حَضَرَ النِّكَاحَ ، وَتَكُونُ عَقِبَ عَقْدِ النِّكَاحِ وَالدُّخُول ، وَيَطُول وَقْتُهَا بِطُول الزَّمَنِ عُرْفًا ، وَذَلِكَ لِمَنْ حَضَرَ الْعَقْدَ أَوِ الدُّخُول ؛ أَمَّا مَنْ لَمْ يَحْضُرْ فَتُسْتَحَبُّ لَهُ التَّهْنِئَةُ إِذَا لَقِيَ الزَّوْجَ .



[1] - البخاري ( 4515 ) ، وتقرى : تتبعها واحدة ، واحدة .

[2] - أحمد : 2 / 381 ، 451 ، وأبو داود ( 2130 ) ، والترمذي ( 1091 ) ، وقال : حسن صحيح ، والنسائي في اليوم والليلة ( 260 ) ، وابن ماجة ( 1905 ) .

[3] - البُخَارِي في مواطن منها ( 2049 ، 3937 ، 5072 ، 5148 ، 6082 ) ، ومسلم ( 3475 ، 3476 ) .

[4] - انظر ( شرح السنة ) للإمام البغوى : 9 / 134 .

[5] - أحمد : 1 / 201 ؛ 3 / 451 ، والنسائي ( 3371 ) ، وابن ماجة ( 1906 ) ، وصححه الألباني .

[6] - البخاري ( 3681 ، 4861 ) واللفظ له ، ومسلم ( 1422 ) .

التهنئة بالمولود
إظهار البشر والسرور بمقدم المولود مما تعارفت عليه قلوب الوالدين ؛ وإنه لأدب جميل أن يستقبل الوالد مولوده بهذه الحفاوة ؛ ومن الآداب العامة التي لها أصل في مشروعيتها في القرآن الكريم : التهنئة بالمولود والبشارة به ؛ فقد بشرت الملائكة إبراهيم بغلام عليم وهو إسحاق : قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ [ الحجر : 53 ] ، وبشر الله تعالى إبراهيم بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلا م : فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ [ الصافات : 101 ] ؛ وبشر الله تعالى عبده زكريا بيحيى : يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا [ مريم : 7 ] ؛ وجاءت الملائكة مريم بالبشرى بعيسى : إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [ آل عمران : 45 ] .
ولما كانت البشارة تسر العبد وتفرحه - كما يقول ابن القيم - استحب للمسلم أن يبادر إلى مسرة أخيه وإعلامه بما يفرحه ؛ ولا ينبغي للرجل أن يهنئ بالابن ولا يهنئ بالبنت ، بل يهنئ بهما أو يترك التهنئة ليتخلص من سنة الجاهلية ، فإن كثيرًا منهم كانوا يهنئون بالابن وبوفاة البنت دون ولادتها ( [1] ) .
وثبت في حديث أنس t عند البزار في قصة زواج أم سليم من أبي طلحة ، وما كان من أمرها في قصة ابنه الذي كان مريضًا فمات ، فسجته ، وتهيأت لزوجها ، فلما وضعت بعد ذلك أرسلته مع أنس إلى رسول الله e فحنَّكَه ، ثم قال لأنس : " اذْهَبْ إِلَى أُمِّك ، فَقُلْ : بَارَكَ اللَّهُ لَكِ فِيهِ ، وَجَعَلَهُ بَرًّا تَقِيًّا " ( [2] ) .
وروى الطبراني في ( الدعاء ) أن رجلا ممن كان يجالس الحسن وُلِد له ابن ، فهنأه رجل فقال : ليهنك الفارس ؛ فقال الحسن : وما يدريك أنه فارس ؟ لعله نَجَّار ، لعله خيَّاط ! قال فكيف أقول ؟ قال قل : جعله الله تعالى مباركًا عليك ، وعلى أمة محمد ( [3] ) . وعند أبي نعيم في الحلية أن أيوب السختياني كان إذا هنأ رجلا بمولود قال : جعله الله تعالى مباركا عليك ، وعلى أمة محمد ( [4] ) .
وفي مسند ابن الجعد : قَالَ رَجُلٌ عِنْدَ الْحَسَنِ : يَهْنِيكَ الْفَارِسُ ، فَقَالَ الْحَسَنُ : وَمَا يَهْنِيكَ الْفَارِسُ ؟ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَقَّارًا أَوْ حَمَّارًا ! وَلَكِنْ قُلْ : شَكَرْتَ الْوَاهِبَ ، وَبُورِكَ لَكَ فِي الْمَوْهُوبِ ، وَبَلَغَ أَشَدَّهُ ، وَرُزِقْتَ بِرَّهُ ( [5] ) .
ويرد المهنَأُ على المهنئِ فيقول : بارك الله لك وبارك عليك ؛ أو : جزاك الله خيرًا ؛ أو : أحسن الله ثوابك وجزاءك .. ونحو هذا ( [6] ) ؛ وتكون التهنئة يوم ميلاد المولود ، أو عند العلم بأن فلانًا رزق مولودًا .


[1] - انظر تحفة المودود ص 45 .

[2] - مسند البزار ( البحر الزخار ) رقم ( 7310 ) ، وقال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : 9 / 261 ) : رَوَاهُ الْبَزَّارُ ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ ، غَيْرَ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيِّ ، وَهُوَ ثِقَةٌ .

[3] - الدعاء للطبراني ( 945 ) .

[4] - حلية الأولياء : 3 / 8 ، ورواه الطبراني في الدعاء أيضًا ( 946 ) .

[5] - رواه علي ابن الجعد في مسنده رقم ( 3398 ) ، وابن عدي في الكامل : 7 / 101 .

[6] - انظر ( المجموع شرح المهذب ) للنووي : 8 / 335 .
التهنئة لمن تجددت له نعمة
قال ابن القيم - - في حديث توبة كعب : وفيه دليل على استحباب تهنئة من تجددت له نعمة دينية ، والقيام إليه إذا أقبل ، ومصافحته ؛ فهذه سنة مستحبة ، وهو جائز لمن تجددت له نعمة دنيوية ، وأن الأولى أن يقال له : ليهنك ما أعطاك الله ، وما منَّ الله به عليك ، ونحو هذا الكلام ؛ فإن فيه تولية النعمة ربها ، والدعاء لمن نالها بالتهني بها ( [1] ) .
فلا بأس أن يُهنأ المسلم بكل ما يسُر ؛ لأن هذا ورد أصله في السنة ، بتهنئة الصحابة بتوبة الله على كعب بن مالك ؛ ولا ريب أن تهنئه المسلم بما تجدد له من نعمة ، أو اندفع عنه من مضرة ؛ يزرع المودة والمحبة بين المسلمين , ويزيل البغضاء والشحناء بينهم .


[1] - انظر ( زاد المعاد ) : 3 / 511 .

                     التهنئة بقدوم رمضان
قد كان النبي يبشر أصحابه عند قدوم رمضان ، فروى أحمد والنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ : " قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ " .
قال ابن رجب - : قال بعض العلماء : هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بقدوم رمضان .ا.هـ .
فيقول المهنئ - مثلا : شهر مبارك عليك ، أو بارك الله لك في شهرك ، وأعانك فيه على طاعته ، أو ما أشبه ذلك ، ويرد عليه المهنأ بمثل ما هنأه به ، فيقول مثلاً : ولك بمثل هذا ، أو يقول : وهو مبارك عليه .. أو نحو ذلك .

التهنئة بيوم العيد
تشرع التهنئة بيوم العيد ، ووقتها للفطر من غروب الشمس من آخر يوم من رمضان ، وفي الأضحى من فجر عرفة كالتكبير ؛ وسُئِلَ ابن تيمية - رَحِمَهُ اللَّهُ : هَلْ التَّهْنِئَةُ فِي الْعِيدِ وَمَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ : ( عِيدُك مُبَارَكٌ ) .. وَمَا أَشْبَهَهُ ، هَلْ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ ، أَمْ لَا ؟ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ ، فَمَا الَّذِي يُقَالُ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ .
فَأَجَابَ : أَمَّا التَّهْنِئَةُ يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إذَا لَقِيَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ : تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ ، وَأَحَالَهُ اللَّهُ عَلَيْك ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ ، وَرَخَّصَ فِيهِ الْأَئِمَّةُ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ ؛ لَكِنْ قَالَ أَحْمَد : أَنَا لَا أَبْتَدِئُ أَحَدًا ، فَإِنْ ابْتَدَأَنِي أَحَدٌ أَجَبْته ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ جَوَابَ التَّحِيَّةِ وَاجِبٌ ، وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ بِالتَّهْنِئَةِ فَلَيْسَ سُنَّةً مَأْمُورًا بِهَا ، وَلَا هُوَ - أَيْضًا - مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ ، فَمَنْ فَعَلَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ ، وَمَنْ تَرَكَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( [1] ) .
وقال الحافظ - : وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال : كان أصحاب رسول الله إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك ( [2] ) .
وكلُّ ما اعتاده الناس في التهنئة بالعيد فجائز ، ما لم يكن إثمًا ؛ كقول بعضهم لبعض : عيدك مبارك ؛ ونحوه . وقد سئل ابن عثيمين - : ما حكم التهنئة بالعيد ؟ وهل لها صيغة معينة ؟ فأجاب بقوله : التهنئة بالعيد جائزة ، وليس لها تهنئة مخصوصة ، بل ما اعتاده الناس فهو جائز ، ما لم يكن إثمًا .ا.هـ .
وقال في موضع آخر : لكن الذي قد يؤذي ، ولا داعي له ، هو مسألة التقبيل ، فإن بعض الناس إذا هنأ بالعيد يُقَبِّل ، وهذا لا وجه له ، ولا حاجة إليه ، فتكفي المصافحة والتهنئة ( [3] ) .


[1] - مجموع الفتاوى : 24 / 253 ؛ وانظر ( المغني ) لابن قدامة : 2 / 295 ، 296 .

[2] - فتح الباري: 2 / 464، وعزاه السيوطي - أيضًا - في ( الحاوي للفتاوي ) : 1 / 82 ، لابن طاهر في كتاب ( تحفة عيد الفطر) وحسنه .

[3] - انظر ( مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - موقع الشيخ على الإنترنت ) .
تهاني عرفية
تعارف الناس على بعض التهاني عند بعض الأعمال ، ليس لها في السنة أصل ، ولكن إذا عُلِم أن التهنئة من أمور العادات ، وأن الأصل فيها الإباحة ، ما لم يكن فيه مخالفة شرعية ، فهذه التهاني تكون مباحة ؛ فالأصل في التهنئة بكل ما يسر لا بأس بها ، ولها أصل في السنة بتهنئة كعب ابن مالك ، كما تقدم .
فالتهنئة بما يتجدد للمسلم من نعمة أو حال حسنة لا بأس بها ، على أن تكون بكلمات طيبات ، ليس فيها مبالغة ؛ وقد تكون التهنئة بكتابة ، أو برسالة عبر الهاتف ، أو ببرقية ، أو بفاكس ؛ فهذه كلها تدخل في وسائل التهنئة .
فلو نجح إنسان فهنأه صاحبه بأن قال - مثلا : مبارك عليك هذا النجاح ، أو جعله الله لك عونًا على طاعته ، أو جعل الله هذه الدرجة لخدمة دينه .. ونحو ذلك , هذه كلها لا بأس بها ، وتدخل في عموم التهنئة .
فالتهنئة في الأصل مشروعة ، وما ثبت منها يلتزمه المسلم ويواظب عليه ؛ مثل التهنئة بالنكاح وبالثوب الجديد ، فهي ثابتة بألفاظ معينة ؛ وأما إذا لم يثبت فيه شيء ، فالأمر فيه سعة ، ويهنئ الإنسان بما شاء من الألفاظ الطيبات ، ما دام أنه لا يعتقد أنها سنة ، ولا يواظب عليها مواظبته على الأذكار الشرعية .
التهنئة لمن خرج من الحمام
اعتاد بعض الناس أن يقول لمن اغتسل : نعيمًا ، يعني : أدام الله عليك النعيم ؛ قال النووي - : قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ : وَأَمَّا التَّحِيَّةُ عِنْدَ خُرُوجِهِ من الحمام بقوله : طاب حمامك ، فنحوه ؛ فَلَا أَصْلَ لَهَا . وَهُوَ كَمَا قَالُوا ؛ فَلَمْ يصح فيه شيء ؛ لَكِنْ لَوْ قَالَ لِصَاحِبِهِ حِفْظًا لِوُدِّهِ : أَدَامَ اللَّهُ لَك النَّعِيمَ .. وَنَحْوَهُ مِنْ الدُّعَاءِ ، فَلَا بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( [1] ) . ويُجيب الخارجُ من الحمام بنحو : أنعم الله عليك من نعمهِ .



[1] - انظر ( المجموع ) : 4 / 616 – دار الفكر ، ونحوه في ( الأذكار ) ص 431 – دار ابن حزم ؛ والمقصود بالحمام : هو محل فيه ماء حار ، كان الناس يذهبون إليه للاغتسال ، أو الاستشفاء ، ويطلق عرفًا – الآن - على الغسل ، خاصة ما كان بالماء الحار .
التهنئة لمن يقص شعر رأسه
يقول البعض لمن يقص شعره - أيضًا : نعيمًا ، تهنئة له ؛ وهذه التهنئة لا أصل لها كسابقتها ، غير أنه قد تعارف عليها الناس في بعض البلاد ، فالقول فيها كالقول في سابقتها ، والرد فيها كالرد في سابقتها ؛ ولكن لا يقال : نعيمًا لمن حلق لحيته ؛ لأنه ارتكب مخالفة شرعية .
التهنئة بدخول العام الهجري الجديد
التهنئة بالعام الهجري الجديد ؛ لا أصل لها من سنة النبي ، ولم يفعلها صحابته ، ولم يرد عن السلف فيها شيء ؛ وما اتخذ السلف التقويم الهجري إلا في خلافة عمر .
وخلاصة فتوى العلماء فيها أن تركها أولى ، ولكن من هنأ بذلك فلا بأس أن يُرد عليه ؛ فإذا قال - مثلًا : كل عام وأنت بخير ، فيرد بقوله : وأنت كذلك ، نسأل الله لنا ولك كلَّ خير ، أو ما أشبه ذلك ؛ أما البداءة بالتهنئة فلا أصل لها ؛ غير أن البعض ذهب إلى أنها مباحة على الأصل الذي قدمناه : ( الأصل في العادات الإباحة ) ؛ ونقل الحافظ المنذري أن الحافظ أبا الحسن المقدسي سئل عن التهنئة في أوائل الشهور والسنين ؛ أهو بدعة ، أم لا ؟ فأجاب عن ذلك بأن الناس لم يزالوا مختلفين فيه , والذي أراه أنه مباح ، لا سنة فيه ، ولا بدعة .ا.هـ ( [1] ) .
فدعاء المسلم لأخيه في المناسبات بدعاء مطلق لا يتعبد الشخص بلفظه ، لا بأس به ؛ لاسيما إذا كان المقصود من هذه التهنئة التودُّد ، وإظهار السرور والبشر في وجه المسلم .
وعلى ذلك فمن هنأ غيره بقول : عام جديد مبارك ، بارك الله لك في هذه السنة ؛ شهر مبارك .. ونحو ذلك ، فلا بأس ... والعلم عند الله تعالى .



[1] - انظر ( الحاوي للفتاوي ) للسيوطي : 1 / 82 ؛ وانظر أيضًا ( الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ) للشربيني : 1 / 188 – دار الفكر .
التهنئة بالجمعة
شاع بين الكثيرين إرسال رسائل عبر الهاتف يوم الجمعة ، وختامها بقول : جمعة مباركة ؛ على سبيل التهنئة بيوم الجمعة ؛ ولم يكن هذا معروفًا عند السلف ؛ فلا ينبغي التزامها والمواظبة عليها ؛ وقد سئل ابن باز - : ما حكم قول : ( جمعة مباركة ) للناس في كل جمعة ، مع العلم أن الجملة انتشرت بين الشباب ؟ فأجاب : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ، أما بعـد : فالتزام قول المسلم لأخيه المسلم بعد الجمعة ، أو كل جمعة : ( جمعة مباركة ) ، لا نعلم فيه سنة عن رسول الله ولا عن صحابته الكرام ، ولم نطلع على أحد من أهل العلم قال بمشروعيته ؛ فعلى هذا يكون بهذا الاعتبار بدعة محدثة ، لا سيما إذا كان ذلك على وجه التعبد ، واعتقاد السنية ، وقد ثبت عن النبي أنه قال : " مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " ؛ رواه مسلم والبخاري معلقًا ، وفي لفظ لهما : " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ " ( [1] ) .
وأما إذا قال المسلم لأخيه أحيانًا من غير اعتقاد لثبوتها ، ولا التزام بها ، ولا مداومة عليها ، ولكن على سبيل الدعاء ، فنرجو أن لا يكون بها بأس ، وتركها أولى ، حتى لا تصير كالسنة الثابتة ( [2] ) .



[1] - رواه البخاري ( 2550 ) ، ومسلم ( 1718 ) عن عائشة .

[2] - انظر الفتوى رقم : 10514 ، والفتوى رقم : 19781 .

التهنئة الممنوعة
ذكرنا فيما سبق أن التهنئة الممنوعة ، هي التهنئة بالأعياد المبتدعة ، أو بأعياد المشركين ؛ ولتأصيل هذا الأمر يقول شيخ الإسلام - : العيد يكون اسْمًا لنفس المكان ، ولنفس الزمان ، ولنفس الاجتماع ؛ وهذه الثلاثة قد أُحدث منها أشياء ، أما الزمان فثلاثة أنواع ؛ ويدخل فيها بعض بدع أعياد المكان والأفعال ؛ أحدها يوم لم تعظمه الشريعة أصلا ، ولم يكن له ذكر في وقت السلف ، ولا جرى فيه ما يوجب تعظيمه ، مثل أول خميس من رجب ، وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب ، فإن تعظيم هذا اليوم والليلة إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة ، ورُوي فيه حديث موضوع باتفاق العلماء ، مضمونه فضيلة صيام ذلك اليوم ، وفعل هذه الصلاة المسماة عند الجاهلين بـ ( صلاة الرغائب ) ، وقد ذكر ذلك بعض المتأخرين من العلماء من الأصحاب وغيرهم .
والصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم النهي عن إفراد هذا اليوم بالصوم ، وعن هذه الصلاة المحدثة ، وعن كل ما فيه تعظيم لهذا اليوم ، من صنعة الأطعمة ، وإظهار الزينة .. ونحو ذلك ، حتى يكون هذا اليوم بمنزلة غيره من بقية الأيام ، وحتى لا يكون له مزية أصلا .
وكذلك يوم آخر في وسط رجب ، تصلى فيه صلاة تسمى صلاة أم داود ، فإن تعظيم هذا اليوم لا أصل له في الشريعة أصلا .
النوع الثاني ما جرى فيه حادثة ، كما كان يجري في غيره من غير أن يوجب ذلك جعله موسِمًا ، ولا كان السلف يعظمونه ؛ كثامن عشري ذي الحجة ، الذي خطب فيه النبي بغدير خم ، مرجعه من حجة الوداع ؛ فإنه خطب فيه خطبة ، وصى فيها باتباع كتاب الله ، ووصى فيها بأهل بيته ، كما روى مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم .
فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك ، حتى زعموا أنه عهد إلى علي بالخلافة بالنص الجلي ، بعد أن فرش له ، وأقعده على فرش عالية ؛ وذكروا كلامًا باطلًا وعملًا قد علم بالاضطرار أنه لم يكن من ذلك شيء ، وزعموا أن الصحابة تمالئوا على كتمان هذا النص ، وغصبوا الوصي حقَّه ، وفسقوا ، وكفروا ، إلا نفرًا قليلا ؛ والعادة التي جبل الله عليها بني آدم ، ثم ما كان عليها القوم من الأمانة والديانة ، وما أوجبته شريعتهم من بيان الحق ، يوجب العلم اليقيني بأن مثل هذا يمتنع كتمانه .
وليس الغرض الكلام في مسألة الإمامة ، وإنما الغرض أن اتخاذ هذا اليوم عيدًا محدثٌ ، لا أصل له ، فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ، ولا من غيرهم ، من اتخذ ذلك عيدًا حتى يحدث فيه أعمالا ؛ إذ الأعياد شريعة من الشرائع ، فيجب فيها الاتباع لا الابتداع ، وللنبي خطب ، وعهود ، ووقائع في أيام متعددة ، مثل يوم بدر ، وحنين ، والخندق ، وفتح مكة ، ووقت هجرته ، ودخوله المدينة ، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين ، ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ مثال تلك الأيام أعيادًا ، وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى أعيادًا ، أو اليهود ؛ وإنما العيد شريعة ، فما شرعه الله اتبع ، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه .
وكذلك ما يحدثه بعض الناس ، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى ، وإما محبة للنبي وتعظيمًا له ، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي e عيدًا ، مع اختلاف الناس في مولده ؛ فإن هذا لم يفعله السلف ، مع قيام المقتضى له ، وعدم المانع منه ، ولو كان هذا خيرًا محضًا ، أو راجحًا ، لكان السلف أحق به منا ؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله وتعظيمًا له منا ، وهم على الخير أحرص ، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته ، وطاعته ، واتباع أمره ، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا ، ونشر ما بُعث به ، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان ؛ فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ؛ وأكثر هؤلاء الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع - مع ما لهم فيها من حسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة - تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه ؛ وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه ، أو يقرأ فيه ولا يتبعه ؛ وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه ، أو يصلي فيه قليلا ؛ وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة ، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع ، ويصحبها من الرياء والكبر ، والاشتغال عن المشروع ، ما يفسد حال صاحبها ، كما جاء في الحديث : " مَا سَاءَ عَمَلُ قَوْمٍ قَطُّ ، إِلَّا زَخْرَفُوا مَسَاجِدَهُمْ " ( [1] ) .



[1] - اقتضاء الصراط ، ص 292 - 296 ؛ والحديث رواه ابن ماجة ( 741 ) ، وإسناده ضعيف جدًّا .                                                                                                       

                 
                                                                                   
                 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق